السفر قطعة من العذاب
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله
دائماً كنت أحلم بأن أتعلم اللغات، ابتداءاً باللغة الإنجليزية .. حيث كنت ذلك الطفل الذي يردد بعض الكلمات، ويحفظ معانيها منذ سن مبكرة، وأرى ابتسامة الفخر ترتسم على وجه والدي -حفظه الله- في كل مجلس، وعندما يقوم أحدهم بطرح بعض الأسئلة علي وأنا أقوم بالإجابة، تحول ذلك الأمر إلى فضول، فأصبحت الطفل الذي يحب أن يتعلم كل شيء بنفسه، دون تدخل من أحد، حتى وإن كان ذلك سبب في وصولي لنتائج خاطئة، في سبيل أن أصل للنتائج الصحيحة.
فقد كنت أتابع القناة الثانية باستمرار، وذلك الطفل “الفضولي” يود أن يعرف ماذا يقولون؟ فالأمر تعدى كونه كلماتٍ ومعانٍ، وأصبح تراكيب وجمل طويلة، وكان هذا هو المحفز لي بأن أتعلم اللغة، وأحاول أن أقوم بتعلم هذه اللغة بأي ثمن.
مرت الأيام، وأصبحت “دافور” اللغة الإنجليزية في نظر أقراني، وأصبحت المرجع لهم في كل ما يخص دراستنا لهذه اللغة في مراحل التعليم العام، بل تطور الأمر، بأن كان معلم المادة يطلب مني في بعض الأحيان أن أقوم بإيضاح وشرح الدرس لزملائي في الصف.
مررت بمرحلة تحول بعد أن قمت بإستخدام الحاسب للمرة الأولى، فتعلقت بذلك الجهاز الجديد، وأصبح هو شغلي الشاغل طوال اليوم، وعاد “الفضول” مرة أخرى، فحاولت أن اتعلم كل شيء يتعلق به، وأنا هنا أقصد كل شيءٍ حرفياً، بدايةً بتعلم التصميم، والمونتاج، وهندسة الصوت، وتطوير الويب، والبرمجة، وتحسين نتائج محركات البحث، فأصبحت متعلقاً به أكثر فأكثر يوماً بعد يوم.
وجاءت اللحظة الحاسمة، التي يجب علي أن اختار فيها تخصصي الجامعي، وكنت وقتها في دورة لغة إنجليزية في بريطانيا بعد المرحلة الثانوية، اتصل علي والدي وسألني عن التخصص الذي أريده، كنت أفكر، أنه بإمكاني التخصص في أيٍ منهما، وأن استعين بالله ثم بالدورات لتعلم التخصص الآخر، ولكن الله سبحانه وتعالى، اختار لي الخير، فقد انتهى التقديم في تخصص الحاسب الآلي وقتها، وتم الحمدلله قبولي في تخصص اللغة الإنجليزية.
لم يتوقف حماسي لكل شيء يتعلق بالحاسب والإنترنت، بل استمر، وأصبح أفضل لأنني ولله الحمد، استخدمت اللغة كمفتاح لكل ما أريد تعلمه، فالمراجع أثرى ومتوفرة بشكل كبير باللغة الإنجليزية، على عكس المحتوى العربي الذي لا يزال ناشئ حتى الآن، فتمكنت بتطوير نفسي بإستخدام اللغة، وكانت لغتي أيضاً تتطور في التخصص.
حتى جاءت اللحظة التي يتمناها أي طالب جامعي، وتخرجت من الجامعة، وحصلت على وظيفة حكومية كمعلم للغة الإنجليزية، وهي ليست وظيفتي الأولى فقد كنت أعمل منذ أن كان عمري 14 عاماً، ولكن هذه المرة الوظيفة كانت أيضاً لهدف، وهو إفادة الطلاب، وتغيير نظرتهم للغة، وأن اللغة بإمكانها تغيير كل شيء، كل هذا وأنا حتى الآن لا أعلم أين سيتم تحديد مكان عملي.
تحدد المكان، وكان في منطقة تبعد عن مكة المكرمة حوالي 800 كم، وبالمصادفة، كان في نفس المنطقة التي جاء فيها التعيين الأول لوالدي قبل 39 عام، استطلعت عن المكان، وقمت بتصبير نفسي بأن تخصصي مطلوب، وأنه بإذن الله سيتم نقلي بعد انقضاء العام الدراسي الأول، أو سيتم نقلي بالظروف الخاصة، حيث أن الشروط تنطبق علي 100%.
لم استطع الصبر، فأصبحت أسافر اسبوعياً، كنت اذهب بالسيارة في أول 3 أشهر لي، فأرهقني ذلك، فقررت السفر بإستخدام الطائرة بعد ذلك اسبوعياً، انتهي من دوامي ومباشرة للمطار، وأعود للدوام في الاسبوع الذي يليه، وعلى هذا الحال.
تغيرت أوضاعي ولم أعد استطيع التركيز في أي أمر، فأنا على سفر مستمر، أو في الدوام في أغلب اليوم، حيث أنني أسكن في منطقة بعيدة عن المدرسة بحوالي 80 كم، فأنا مرهق، أو مسافر في نهاية الاسبوع لأقضي الإجازة القصيرة مع أهلي.
تم رفض نقلي بالظروف الخاصة، بحجة واهية ومن خارج التعميم الوزاري، والآن انتظر أن يكتب الله مافيه الخير لي.
اسأل الله أن يجمعني بأهلي في أقرب وقت، وأن يخفف علي بعدي عنهم.
قمت بكتابة هذه الأسطر فقط، لأبعد بعض ما يملأ صدري، وليس لها سبب محدد، فأعتذر منكم لأي خطأ.
استغرقت 10 سنوات حتى استقر في مدينة جدة